ص: 2

ص: 3

تنظیم القاعدة

ص: 4

3. الجماعة 59

4. العدو القریب و العدو البعید 61

5. إیران 66

6. حرکة المقاومة الإسلامیة (حماس) 68

7. الوهابیة 69

القاعدة فی عالم الیوم 71

القاعدة فی شبه الجزیرة العربیة 75

الأهداف الخاصة للقاعدة فی شبه جزیرة العرب 77

القاعدة فی المغرب العربی 81

القاعدة فی العراق 85

القاعدة فی أفغانستان 88

المصادر 90

ص: 6

شیرازی (دام ظله الوارف) بحکمته و نظرته الثاقبة مواجهة هذه التیارات المتطرّفة و التکفیریة بالفکر و المنطق العلمی، فکان الحل الأنجع للخروج من هذه المحنة المبادرة إلی إقامة المؤتمر العالمی حول «آراء علماء الإسلام فی التیارات المتطرّفة و التکفیریة» و الذی حضره نخبة من أبرز العلماء و المفکرین فی العالم الإسلامی.

إنّ الأثر الطیب الذی ترکه عقد هذا المؤتمر لدی العلماء و المفکرین و المراکز الثقافیة فی مختلف أنحاء البلاد الإسلامیة، و إلحاحهم علی ضرورة إدامة زخم التواصل و التعاطی البنّاء بین علماء الإسلام، و وجوب الحفاظ علی الوحدة و التآلف بینهم للقضاء علی التطرّف و التکفیر، کلّ هذه العوامل شجّعت سماحة آیة الله العظمی مکارم شیرازی (دام ظله الوارف) الرئیس الأعلی للمؤتمر، علی الموافقة علی تأسیس أمانة دائمة للمؤتمر تأخذ علی عاتقها مهمة التصدّی للتیارات المتطرّفة و التکفیریة.

و فی هذا السیاق، انطلقت أعمال الأمانة العامة منذ نیسان̸ أبریل 2015م بأقسامها الثلاثة: قسم البحوث، قسم الشؤون الدولیة، قسم الشؤون التنفیذیة، و وضعت فی جدول أعمالها

ص: 8

العدید من البرامج المتنوعة. و من الأهداف المطروحة أمام هذه الأمانة نذکر علی سبیل المثال: التواصل مع أکثر من 2000 شخصیة من علماء و مفکری العالم الإسلامی، سنّةً و شیعة؛ إصدار مجلة تحت عنوان «الأمة الواحدة»؛ إصدار نشرة خبریة لرصد و تحلیل التیارات التکفیریة و سبل مواجهتها؛ إصدار سلسلة منشورات حول التیارات التکفیریة؛ عقد ندوات علمیة بالتعاون مع مختلف المراکز و الجامعات فی البلدان الإسلامیة؛ فضلاً عن عقد مؤتمر فی السنوات القادمة إن شاء الله، بنفس عظمة المؤتمر السابق، لبحث أهداف الأمانة العامة، هذه الأهداف السامیة التی نأمل أن تتحقّق بفضل الله و منّه و بتظافر جهود العلماء الأفاضل فی العالم الإسلامی.

و فیما یلی نعرض علی القرّاء الأعزاء بعضاً من إصدارات الأمانة العامة للمؤتمر.

قسم البحوث

ص: 9

ص: 10

صورة الدین الإسلامی و تصویره علی أنّه دین عنف و قتل و إرهاب، و وقع تنظیم القاعدة، عن قصد أو عن غیر قصد، فی شباک الذین أشعلوا حرب الحضارات.

لقد أصبح السلوک العنیف للقاعدة ذریعة لتشویه الدین الإسلامی المفعم بالرحمة، و تلطیخ سمعة المسلمین فی العالم.

کان ذلک السلوک إیذاناً ببدء حروب أمریکا و حلفائها علی العالم الإسلامی، و ارتکاب عملیات القتل و النهب باسم الدیمقراطیة و محاربة الإرهاب.

من أین جاءت هذه الأفکار العجیبة و الغریبة، و لماذا عمدت زمرة من المسلمین تزیّت بالدین إلی تشویه صورة الإسلام بهذا الشکل المریع؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب بحثاً و تمحیصاً فی الأوضاع المؤسفة للمسلمین و سیاسات حکامهم العلمانیین.

ثمّة عوامل أدّت إلی تنامی الفکر الأصولی للسلفیة الجهادیة فی العالم الإسلامی، و هذه العوامل عبارة عن: 1. موجة الحداثة الهادرة و الإعصار الفکری و الثقافی الغربی الکاسح الذی اجتاح البلدان الإسلامیة؛ 2. عدم وجود حکومات إسلامیة و تقدمیة تتصدی لهذه الموجة؛ 3.الافتقاد إلی حوافز للدفاع عن المقدسات

ص: 12

و الأحکام الإسلامیة؛ 4. العودة إلی الهویة الإسلامیة الأصیلة(1).

لقد تبلور المنهج السلفی فی مصر عبر نزوع الإسلامیین نحو الفکر السلفی للتحصّن ضدّ الغزو الفکری - الثقافی القادم من الغرب، و کذلک، نتیجة الجهود التی بذلها الشیخ محمد عبده و رشید رضا و حسن البنا، فتشکّلت جبهة إسلامیة سلفیة لمواجهة الغربنة و الحداثة. بید أنّ الفقر و الفساد و عمالة حکام البلدان الإسلامیة للقوی الغربیة کانت علی الدوام شوکة فی عیون الإسلامیین. و فی هذا الإطار، کان سید قطب فی طلیعة الأشخاص الذین مهّدوا للعودة إلی الهویة الإسلامیة و تحدّثوا عن الهجرة و الجهاد و محاربة الطواغیت. و استطاع منذ البدایة أن یهزّ مصر بنشاطاته، لدرجة أنّ أفکاره کانت بمثابة البذور الأولی التی ألقیت لنمو التنظیمات السلفیة الجهادیة فی مصر و من ثمّ فی البلدان الإسلامیة الأخری(2).

فی الحقیقة، إنّ المحرکین الرئیسیین للحرکات السلفیة الجهادیة

ص: 13

فی العالم الإسلامی عبارة عن: 1. تعالیم و کتب ابن تیمیة فی الدعوة إلی السلفیة، و العودة إلی الهویة الإسلامیة الأصیلة و طرح البدع جانباً؛ 2. أفکار و کتب سید قطب فی الدعوة إلی الهجرة و الجهاد و محاربة الطواغیت لإقامة الحکم الإلهی و الإسلامی الذی یطبق جمیع الأحکام الإسلامیة(1).

لقد تحوّلت مصر إلی ساحة للحرکات الجهادیة من قبیل الجماعة الإسلامیة، بزعامة الشیخ عمر محمد عبد الرحمن (1967)، منظمة التکفیر و الهجرة بزعامة احمد شکری مصطفی (1972)، منظمة التحریر الإسلامی بزعامة صالح السریه (1974) و منظمة الجهاد بزعامة محمد عبد السلام فرج (1979).

استطاعت هذه الحرکات السلفیة الجهادیة نشر نفوذها فی مصر من خلال استقطاب عناصر إسلامیة من مختلف شرائح المجتمع مثل الأطباء و أساتذة الجامعات و ضباط الشرطة و طلبة الجامعات، و شرعت بمحاربة الحکام فی ذلک الوقت. و قد دفعت العملیات المسلحة و الاغتیالات التی نفّذتها هذه الحرکات بالحکومة المصریة إلی زیادة الضغط علی الجماعات

ص: 14

الإسلامیة، و زجّ زعمائها فی السجون؛ و قد وصلت هذه الضغوط إلی درجة اضطرت عدد کبیر من القیادات السلفیة المصریة إلی ترک بلادها و الذهاب إلی أفغانستان لأداء فریضة الجهاد و الدفاع عن أوطان المسلمین و ذلک بعد أن قرعت طبول الحرب هناک و تعالت الأصوات بوجوب الجهاد و الدفاع عن هذا البلد الإسلامی و شعبه المسلم.

إرسالها إلی میادین القتال.

و بذلت حکومة الولایات المتحدة التی کانت تعتبر اللاعب الرئیسی فی هذه الساحة، محاولات و جهوداً جبارة للحفاظ علی مصالحها و منع الاتحاد السوفیتی من تعزیز نفوذه و قدراته(1). فی الفترة من 1979 إلی 1982م سافر ریتشارد نیکسون رئیس الولایات المتحدة الأسبق إلی باکستان و زار معسکرات التدریب العسکری للمهاجرین الأفغان هناک. و فی الوقت نفسه صادق الکونجرس الأمریکی علی دعمه الکامل للأفغان فی نضالهم ضدّ الاتحاد السوفیتی(2). و بناءً علی هذه المعطیات، وضعت الولایات المتحدة برنامجاً قامت بموجبه بتسخیر القدرات المالیة و القوی البشریة الموجودة فی البلاد العربیة و الإسلامیة من أجل دعم و تقویة الجبهة الأفغانیة. کما استطاعت الولایات المتحدة و لأول مرة تعبئة القوات الجهادیة السلفیة و تجییش مشاعرها الدینیة کسلاح غیر مباشر لتنفیذ أهدافها فی المنطقة. و بذلک، لم تعد ثمّة حاجة لدخول الولایات المتحدة کطرف فی الحرب

ص: 16

بشکل مباشر ضدّ الاتحاد السوفیتی، و رفعت عن کاهلها نفقات هذه الحرب بما فی ذلک خسائرها البشریة و الاحتجاجات الداخلیة و المبالغ المالیة الطائلة التی تتطلبها.

استطاعت الولایات المتحدة من خلال تعبئة البلدان العربیة فی الخلیج الفارسی و علی رأسها العربیة السعودیة و تخویفها من مخاطر المدّ الشیوعی، أن تدفع بهذه البلدان إلی میدان المعرکة. کما نجحت الولایات المتحدة استغلال هذه البلدان إلی أقصی الحدود من أجل تأمین النفقات المالیة للحرب و إرسال قوات المتطوعین إلی جبهات القتال. فضلاً عن ذلک لعب جهاز المخابرات الباکستانی آی. أس. آی. دوراً بارزاً و رئیسیاً فی تنظیم تلک القوات و إرسالها إلی الأراضی الأفغانیة و تزویدها بجمیع التجهیزات و المعدات التی تحتاجها؛ لدرجة أنّ مدینة بیشاور الواقعة علی الحدود الباکستانیة الأفغانیة کانت بمثابة جامعة للجهادیین السلفیین الذین تجمعوا فی هذه المدینة علی مختلف أفکارهم و مشاربهم، و کانوا موحّدین علی عاملین اثنین هما الجهاد و الأصولیة الإسلامیة(1).

ص: 17

لقد توافدت علی باکستان أثناء الحرب قوافل الشباب المتطوعین من جمیع البلدان مثل مصر، العربیة السعودیة، تونس، لیبیا، فلسطین، السودان و سائر البلدان الإسلامیة لتلقّی التدریبات اللازمة من أجل المشارکة فی الحرب فی أفغانستان، و کان هؤلاء المتطوعین بحاجة إلی التنظیم و التنسیق. و کان هذا التنظیم یتم فی معسکرات تدریب خاصة علی مقربة من الحدود الأفغانیة.

یقام الفلسطینی عبد الله عزام أحد أبرز زعماء الجهادییین الناشطین فی هذا المجال، بتأسیس مکتب الخدمة الذی اضطلع بمهمة تنظیم القوات المجاهدة بما فی ذلک القوات الأفغانیة و المتطوعین العرب، و ذلک قبل وصول ابن لادن إلی أفغانستان. لقد کانت لعبد الله عزام رحلات کثیرة إلی مختلف البلدان و قام بتألیف العدید من الکتب فی موضوع الجهاد و رفع شعار إحیاء قاعدة الجهاد لتحریر البلدان الإسلامیة المحتلة من قبل الکفار، و استطاع بهذه الطریقة أن یجذب قوات کثیرة إلی القواعد العسکریة فی باکستان، و بتأسیسه لمکتب الخدمة و معسکرات التدریب، مثل معسکر صدی، کان یقدّم الدعم و التدریب

ص: 18

اللازم لتلک القوات(1).

مع وصول طلائع الجهادیین السلفیین بقیادة عبد الله عزام إلی أفغانستان للمشارکة فی الحرب، تبلورت ظاهرة عرفت فیما بعد بالأفغان العرب. کان عبد الله عزام یقوم عبر مکتب الخدمة الذی أسّسه بتنظیم هؤلاء الأفغان العرب و القوات المجاهدة فی أفغانستان و ذلک بفضل المعونات المالیة و الدعم الهائل الذی کان یتلقاه من البلدان الإسلامیة و الأثریاء المسلمین فی سائر الدول الأخری، و قد فتح ذلک باب التعارف و التعاون بین الملیونیر السعودی، أعنی أسامة بن لادن و بین عبد الله عزام؛ لأنّ ابن لادن کان من أهم الأثریاء العرب الذین قدّموا أکبر الدعم لمسیرة الجهاد فی أفغانستان.

لعب عبد اللّه عزام دور المرشد الأمین لابن لادن حتی عام 1986م، و کانت العلاقة بینهما علی أفضل ما یرام. و لکن بعد وصوله إلی أفغانستان و مشارکته بصورة میدانیة فی العملیات القتالیة، ظهرت بودار الخلاف بین الرجلین، حتی انفصل ابن لادن

ص: 19

عن عزام لیختار طریقاً مستقلاً له. إحدی نقاط الخلاف بینهما هی أنّ عبد الله عزام کان یعتقد بوجوب أن یکون المجاهدون العرب بین الشعب الأفغانی، لأنّهم جاؤوا من أجل دعم و مساندة هذا الشعب، و هذا سوف یساعد علی زیادة اللحمة و تقویة الأواصر بینهما، لکنّ ابن لادن کان یسعی إلی استحداث قوات عربیة مستقلة تمارس نشاطاتها بمعزل عن الأفغان(1).

بالإضافة إلی ذلک، کان عبد اللّه عزام لا یؤمن بالکفاح المسلح ضدّ الحکام المسلمین و ذلک بخلاف أیمن الظواهری و الجهادیین المصریین الذین کانوا یحیطون بابن لادن، و لذلک عارض عزام بشدّة هذه الفکرة، إذ کان یعتقد بمشروعیة استخدام السلاح لمحاربة الکفار و الغزاة المعتدین علی حدود الإسلام فقط؛ من هنا، برزت إلی السطح الخلافات بینه و بین أیمن الظواهری. کما لم یکن عزام یؤمن بالحرب العالمیة ضد الغرب، و استناداً إلی کلام الدکتور فضل، زعیم تنظیم الجهاد فی مصر و أحد أهم المستشارین لأیمن الظواهری، أنّ تأسیس تنظیم القاعدة علی فکرة الحرب العالمیة ضد الغرب کان فی

ص: 20

الحقیقة انحرافاً عن آراء و أفکار عبد الله عزام(1).

الجهادیین العرب(1).

فی الفترة بین 1986 و 1987 م، أسّس أسامة بن لادن قاعدة للمقاتلین العرب بالقرب من قاعدة القوات السوفیتیة فی شرق أفغانستان، و تقع فی قریة جاجی علی بعد عشرة أمیال من الحدود الباکستانیة و عُرفت هذه القاعدة باسم المأسدة. شرع ابن لادن قتاله ضد القوات السوفیتیة فی ربیع 1987 م من هذه القاعدة، و قد حقّقت قواته انتصارات کبیرة انطلاقاً من هذه القاعدة العسکریة(2).

یعتقد کمال الطویل فی کتابه القاعده و اخواتها، أنّ تشکیلات القاعدة تأسست علی ید أسامة بن لادن و أتباعه المصریین فی عام 1988م و ذلک علی أثر الانتصارات التی حقّقها الأفغان العرب علی القوات السوفیتیة(3). فی المقابل، یعتقد معظم المختصین و الخبراء أنّ تنظیم القاعدة تأسّس بعد عشر سنوات أی فی عام 1988م. بید أنّ الحقیقة هی أنّ تأسیس القاعدة فی عام 1988م، لم یکن بمثابة تنظیم عالمی للجهاد و إنّما فی إطار

ص: 22

تشکیلاتی بحت، لیأخذ علی عاتقه تنظیم أوضاع المجاهدین الموجودین فی أفغانستان و باکستان، فکان هذا التنظیم یقوم بمتابعة شؤونهم من خلال تسجیل أسمائهم و بیاناتهم و تاریخ دخولهم و خروجهم ...إلخ.

فی الحقیقة إنّ هذه التشکیلات کانت تعتبر مرکزاً وُجد من أجل تسهیل مراجعة أسر المجاهدین و متابعة الشؤون الخاصة بهم(1). لکنّها مع مرور الوقت توسعت و تطورت حتی تحولت بعد عشر سنوات إلی جبهة عالمیة، حیث سنتابع فی بحثنا هذا مسیرة تطوّر هذه التشکیلات و کیفیة تحوّلها إلی تنظیم عالمی.

و حول وجه تسمیة «تنظیم القاعدة» یعتقد بعض المختصین مثل بیتر أل. برگر أنّ هذا الاسم اقتُبس من کلام و مقالات عبد الله عزام. فقد نشرت مجلة الجهاد(2) فی العدد 41 الصادر فی نیسان 1988م مقالة لعبد الله عزام باسم «القاعدة الصلبة» جاء فی

ص: 23

إحدی فقراتها:

«إنّ تقدّم أیّ مبدأ یستلزم الإقدام و المبادرة و تقنین طریقه فی قلب المجتمع، و یحتاج إلی أثمان باهضة و تضحیات متعددة و جسیمة. هذا الإقدام للوصول إلی المجتمع المنشود، یحتاج إلی قاعدة صلبة». بعد أربعة أشهر من صدور مقالة عزام حول ضرورة وجود قاعدة صلبة و قویة لخلق مجتمع إسلامی متکامل، بادر أسامة بن لادن إلی تأسیس تنظیم القاعدة، و لکن لأهداف مغایرة لأفکار عزام(1).

قبل أن نتحدّث عن أجواء ما بعد تأسیس ابن لادن لتنظیم القاعدة، من الضرورة بمکان أن نستعرض معلومات إجمالیة و عامة عن مؤسّس هذا التنظیم و أول زعیم له.

الوهابیة مذهباً و منهجاً له، و علی الصعید العلمی، حصل علی بکالوریوس اقتصاد من جامعة الملک عبد العزیز فی جدة، لکی یدیر الشرکات التجاریة لوالده(1).

کان للأجواء التی عاش فی کنفها أسامة بن لادن فی سن المراهقة و الشباب تأثیر کبیر علی حیاته و تربیته، و تبلور أفکاره و آرائه. فقد تزامنت فترة بلوغه مع الحرب العربیة الإسرائیلیة فی عام 1967م و ظهور الصحوة فی العالم الإسلامی. و قد حدثت نکسة حزیران المذلة بعد عام من إعدام سید قطب فی مصر. و کان لشهادة سید قطب و مؤلفاته أثر کبیر فی ترسیم ملامح الصحوة الإسلامیة فی تلک المرحلة.

أربعة أحداث کبیرة حصلت فی خضم تلک المرحلة دفعت الصحوة الإسلامیة إلی ذروتها، و ترکت تأثیراً عظیماً علی بن لادن و الأعضاء المستقبلیین لتنظیم القاعدة (السلفیین الجهادیین)، هذه الأحداث عبارة عن:

1. إسقاط نظام الشاه فی إیران و انتصار الشیعة فی إیران و رفعهم للشعارات الإسلامیة ضد الدیکتاتور العمیل للغرب، و انتصار

ص: 25

الثورة بقیادة أحد رجال الدین، أعنی، الإمام الخمینی؛ 2.احتلال عدد من المعارضین السعودیین للمسجد الحرام فی قضیة جهیمان العتیبی و ادعائهم المهدویة؛ 3. الاتفاق التاریخی بین مصر و إسرائیل و التوقیع علی معاهدة کمب دیفید و الغزو السوفیتی لأفغانستان. هذه الظروف التاریخیة و المصیریة خلقت من الشاب أسامة بن لادن ذی الاثنین و العشرین سنة مسلماً جهادیاً(1).

و لا یفوتنا أن نذکر بأنّ الأفکار المعادیة للصهیونیة لوالد أسامة لعبت أیضاً دوراً فی تربیته، فعندما کان فی العاشرة من عمره اندلعت الحرب بین إسرائیل و ستّ دول عربیة فی عام 1967م و أدّت إلی نکسة مذلة للعرب، یقول أسامة أنّ والده، الذی کان یملک شرکة إنشائات هندسیة استدعی جمیع المهندسین فی شرکته و سألهم عن عدد الجرافات التی یمکنهم تهیئتها، فأخذوا یعدّون ما لدیهم من جرافات ثم أجابوا أنّ باستطاعتهم تحضیر 250 جرافة، فسألهم محمد بن لادن إن کان بإمکانهم تحویل هذه الجرافات إلی 250 دبابة، فسأله أحد المهندسین و لماذا، فقال له أرید استخدامها ضدّ الیهود الذین

ص: 26

احتلوا أراضینا(1).

أسامة بن لادن هو نجل ذلک الأب الذی أراد أن یحوّل جرافات شرکته إلی دبابات لمحاربة الصهاینة، لذلک سخّر جمیع ثروته و تجهیزاته التی ورثها عن أبیه لمساعدة المجاهدین المسلمین فی أفغانستان.

و لکن دخول ابن لادن إلی میدان الجهاد فی أفغانستان أتاح له فرصة التعرّف علی السلفیین الجهادیین المصریین، و تأسیس تنظیم القاعدة فیما بعد، و بذلک تغیّرت مسیرة حیاته بشکل کلی.

1980: قیامه بأول رحلة إلی باکستان بعد الغزو السوفیتی لأفغانستان؛

1984: المشارکة فی تأسیس مکتب الخدمة؛ قیامه بأول رحلة إلی أفغانستان؛

1986: تأسیس أول قاعدة له فی جاجی، الواقعة فی شرق أفغانستان؛

1987: المشارکة فی معرکة جاجی لیصبح مقاتلاً منذ هذا التاریخ؛

29 أیار 1988: مقتل أکبر أشقائه سالم بن لادن فی حادث طائرة؛

آب 1988: تأسیس تنظیم القاعدة؛

شباط 1989: انسحاب القوات السوفیتیة من أفغانستان؛

تشرین الثانی 1989: الخروج من باکستان و العودة إلی العربیة السعودیة؛

2 آب 1990: الغزو العراقی للکویت؛

بدایة 1991: عودة أسامة بن لادن إلی بیشاور فی باکستان؛

بدایة 1992: رحلته إلی الخرطوم عاصمة السودان؛

ص: 28

نیسان 1994: براءة أسرته منه و سحب جنسیته السعودیة؛

منتصف أیار 1996: تعرّضه لضغوطات لترک السودان و عودته إلی أفغانستان؛

23 آب 1996: أفتی بمحاربة الولایات المتحدة الأمریکیة؛

أواسط 1996: قام بجذب خالد الشیخ محمد، مخطط عملیات الحادی عشر من أیلول للالتحاق بتشکیلاته؛

10 أیار 1997: أول مقابلة صحفیة له مع ال- سی أن أن؛

22 شباط 1998: تشکیل الجبهة العالمیة للجهاد الإسلامی ضدّ الیهود و الصلیبیین؛

7 آب 1998: تفجیر المصالح الأمریکیة فی کینیا و تنزانیا؛

أیلول 1998: رفض الملا عمر، طلب السعودیة بتسلیم أسامة بن لادن؛

12 تشرین الأول 2000: الهجوم علی المدمرة کول الأمریکیة؛

11 أیلول 2001: الهجوم علی البرجین التوأمین لمنظمة التجارة العالمیة؛

7 تشرین الأول 2001: عرض شریط فیدیو لابن لادن علی الشبکات الفضائیة بعد هجمات الحادی عشر من أیلول وبدایة

ص: 29

حرب الولایات المتحدة ضدّ طالبان؛

2001-2011: عشر سنوات من الحیاة السریة تنقل خلالها بین جبال تورابورا فی أفغانستان و الحی السکنی فی ابوت آباد بالباکستان، و کان خلالها یقود تنظیم القاعده.

1 أیار 2011: مقتله علی ید القوات الأمریکیة فی باکستان.

و بالفعل، بعد مرور أسبوعین علی إرسال البرقیة وقع حادث اغتیال عبد الله عزام(1).

شعر الأفغان العرب أو العرب الأفغان، بعد طرد القوات السوفیتیة من أفغانستان بثقة کبیرة بالنفس لأنّهم استطاعوا أن یلحقوا الهزیمة بقوة عظمی، و راحوا یتطلّعون إلی القیام بدور عالمی. و الجدیر بالذکر أنّه بعد عودة هؤلاء المجاهدین إلی بلدانهم، بدلاً من أن یتم استقبالهم کأبطال عائدین، کان یُنظر إلیهم علی أنّهم جهادیین متعصّبین یمکن أن یشکّلوا تهدیداً سیاسیاً للأنظمة فی بلدانهم، و لهذا السبب جری عزلهم و إقصائهم. علاوة علی ذلک، هناک عدّة أسباب ساعدت علی توفیر الظروف المناسبة لتنامی و انتشار الحرکات الجهادیة و خلق عوامل عولمتها ، من جملة هذه الأسباب نذکر مثلاً: 1.حرب الخلیج الفارسی و النتائج التی ترتّبت علی استقدام القوات الأمریکیة إلی أرض العربیة السعودیة؛ 2. قمع الحرکات الإسلامیة علی ید الأنظمة السیاسیة؛ 3. النزاعات المسلحة فی مصر و الجزائر و الجمهوریات الحدیثة التی انفصلت عن الاتحاد السوفیتی فی آسیا الوسطی و القوقاز و کشمیر

ص: 31

و الفلبین و البوسنة؛ 4. توفیر مکان آمن لهم فی أفغانستان تحت رعایة طالبان(1).

الکافرة إلی أرض الحجاز(1).

و علی أثر ذلک بعث ابن لادن برسائل متعددة إلی الحکام السعودیین یطالبهم فیها باستقدام قوات جهادیة إسلامیة لمواجهة العدوان الصدامی علی الکویت بدلاً من أن تطأ أقدام الکفار البلاد الإسلامیة(2). ففی عام 1990م بعث برسالة إلی الأمیر نایف بن عبد العزیز وزیر الداخلیة السعودی آنذاک یقترح علیه أن یستعین بالمجاهدین المسلمین و الأفغان العرب لتحریر الکویت من براثن صدام. و قد أعلن عن استعداده لتجهیز و تنظیم مئة ألف مقاتل مسلح لهذا الغرض. لکنّ الحکام السعودیین لم یلقوا بالاً لهذه الرسائل، بل و صاروا یتوجسون خیفة منها لاعتقادهم بأنّ ابن لادن أصبح شخصاً خطراً و معادیاً للنظام السعودی؛ أی بمعنی أنّه من الممکن أن یتسبّب بمشاکل و تهدیدات کبیرة للمملکة السعودیة فی المستقبل(3). من هذا المنطلق، أقدمت السلطات السعودیة علی مصادرة جواز سفر ابن لادن و منعته من السفر إلی خارج السعودیة، فضلاً عن

ص: 33

ممارسة الضغوط علیه و رصد جمیع تحرکاته. لکنّه استطاع بمساعدة أحد أصدقائه المتنفّذین فی البلاط السعودی أن یحصل علی إذن محدود بالسفر إلی الباکستان فقط بذریعة متابعة بعض أعماله التجاریة هناک(1).

تنظیم قواته و تدریبها(1).

و بالفعل سافر أسامة مع حلقة المرافقین المحیطین فی کانون الأول/ دیسمبر عام 1991م إلی السودان. و استطاع استثمار ثروته فی السودان و إنجاز العدید من المشاریع العمرانیة و الزراعیة؛ من جملتها إحداث مطار بور سودان، و الخط السریع الذی یربط بین مدینة بور سودان و العاصمة السودانیة الخرطوم، بالإضافة إلی زراعة آلاف الهکتارات من الأراضی بالقمح و المحاصیل الأخری؛ و یشار إلی أنّه استعان بالأفغان العرب الذین التحقوا به و معظمهم من الجهادیین المصریین لإنجاز هذه المشاریع. بید أنّ نشاطاته فی السودان لم تقتصر علی هذا البعد فحسب، و إنّما کان یوسّع من تشکیلاته و یطوّرها طیلة فترة إقامته فی هذا البلد، و کان خلال مقابلاته الصحفیة و لقاءاته یجیّش مشاعر المسلمین و یحثّهم علی الثورة الإسلامیة(2).

نفّذ تنظیم القاعدة فی عام 1992م، عملیة ضدّ العسکریین الأمریکیین الذین کانوا نزلاء فی فندق «گولد مور» فی مدینة

ص: 35

عدن، و أدّت إلی مقتل ثلاثة منهم و جرح خمسة آخرین. فی عام 1993م أیضاً نفّذ التنظیم خلال المواجهات المسلحة فی العاصمة الصومالیة مقدیشو هجوماً علی العسکریین الأمریکیین و استطاع إسقاط طائرتی هیلکوبتر(1). فی عام 1995م قام عناصر التنظیم بتنفیذ العدید من التفجیرات فی العربیة السعودیة و کانت حصیلتها مقتل خمسة عناصر، ثلاثة منهم من المستشارین العسکریین الأمریکان(2). کما وقعت عملیة أخری فی عام 1996م فی العربیة السعودیة أیضاً بواسطة شاحنة مفخخة، قُتل خلالها 19 أمریکیاً، و جرح 400 آخرین.

لقد بلغ عداء أسامة بن لادن للولایات المتحدة و سخطه علی تواجد القوات الغربیة علی الأراضی السعودیة حدّاً دفعه إلی أن یبعث برسالة إلی علماء السعودیة یحثّهم فیها علی محاربة الولایات المتحدة بوصفها عدواً معتدیاً علی البلاد الإسلامیة. فی عام 1995م أصدر بیاناً أعلن فیه أنّ الملک السعودی مرتد و طالبه بترک منصبه الرسمی. لقد دفعت هذه الأعمال و المواقف

ص: 36

بالحکومة السعودیة إلی زیادة الضغوط علی السودان لإخراج أسامة بن لادن من أراضیه و إسکاته(1).

أصدر ابن لادن أول بیان له ضدّ الولایات المتحدة فی 26 آب/ أغسطس عام 1996م، تحت عنوان «الجهاد ضدّ الولایات المتحدة التی تحتل بلدین مقدسین».

فی هذا البیان دعا ابن لادن إلی الجهاد ضد الولایات المتحدة علی جمیع الصعد، و أعلن أیضاً بأنّ الحکومة السعودیة فاقدة للشرعیة لسببین: السبب الأول، لأنّها تنکّرت للشریعة الإسلامیة، و السبب الثانی، سماحها للقوات الکافرة أی الصلیبیین الأمریکان باحتلال البلاد(2).

لقد أدّت نشاطات أسامة بن لادن و العملیات الإرهابیة لتنظیم القاعدة فی العربیة السعودیة و حتی فی البلدان الغربیة خلال سنوات إقامة ابن لادن فی السودان (1991-1996)، إلی زیادة الضغوط الدولیة علی البلد المضیف و تسبّبت فی موجة

ص: 37

سخط عارمة لدی بعض الدول الغربیة(1).

لهذا السبب، بدأت الحکومة السودانیة منذ العام 1994م، تمارس ضغوطاً علی أسامة بن لادن لدرجة أنّه تعرّض لعدّة محاولات اغتیال فی السودان لکنّه کان ینجو فی کل مرة. هذه الحوادث و کذلک الإشارات التی کانت تصدر عن الحکومة السودانیة من أنّها لم تعد تستطیع تحمّل استمرار وجود ابن لادن علی أراضیها، دفعت بأسامة إلی مغادرة السودان(2).

1995 إلی 2001م العدید من المناصب فی وزارة الخارجیة الأفغانیة:

فی عام 1996م ذهب بعض أعضاء الحزب الإسلامی [الجماعة الأفغانیة] بقیادة یونس خالص إلی السودان، و اقترحوا علی أسامة بن لادن المجیء إلی أفغانستان. فأقلعت طائرتان من أفغانستان إلی الشارقة لتحملان ابن لادن و من معه إلی أفغانستان. ذهبت إحدی الطائرتین إلی الخرطوم ثم توقفت لیلاً فی الشارجة. کان ابن لادن علی متن هذه الطائرة، و فی الیوم التالی استقلّ طائرة أخری. ذهبت إحدی الطائرتین إلی طالبان للتمویه، أما الطائرة التی تحمل أسامة بن لادن فذهبت إلی مدینة جلال آباد التی کانت آنذاک تحت سیطرة حاجی قدیر، الذی استقبل ابن لادن بحفاوة کبیرة کضیف عزیز. فی 26 تموز/ یولیو 1996م وقعت منطقة جلال آباد فی قبضة طالبان، و أصبح ابن لادن حلیفاً لطالبان، لیشرع رسمیاً تحت حمایة طالبان بحربه المقدسة ضد الغرب(1).

عندما دخل ابن لادن و أتباعه المصریین أفغانستان فی شهر مایس 1996م کانت الخلافات و الصراعات بین الفصائل الأفغانیة المسلحة ما تزال مستمرة فی هذا البلد، و کان لکل فصیل منطقة نفوذ خاصة به یبسط سلطته علیها. و لکن بعد مرور عدّة أشهر علی وجود ابن لادن فی أفغانستان، استطاعت جماعة طالبان

ص: 39

استعادة قوتها و إخضاع مختلف المناطق فی أفغانستان لسیطرتها الواحدة تلو الأخری، حتی دخلت فی أیلول/ سبتمبر 1996م العاصمة الأفغانیة کابل، و لم تکن هذه الحرکة معروفة بعد للأفغان العرب، و قد أجری أبو مصعب السوری أحد الزعماء الجهادیین المتواجدین فی أفغانستان دراسة لأفکار و نشاطات حرکة طالبان فأضفی الشرعیة علی الانضمام إلی الحرکة و القتال إلی جانبها، حیث کتب کراساً فی هذا الموضوع من 35 صفحة یصف فیه طالبان أنّها حرکة سلفیة و مشروعة(1).

بعد استلام طالبان مقالید السلطة فی أفغانستان أرسل الملا عمر زعیم الحرکة وفداً للقاء ابن لادن لیطمأنه إلی استمرار دعم الحرکة له.

بید أنّ الوفد طلب من أسامة بن لادن التوقّف عن إجراء اللقاءات و المقابلات الصحفیة مع المراسلین و عن أیّ نشاط إعلامی. بالإضافة إلی ذلک، ترک ابن لادن جلال آباد فی عام 1997م بناءً علی طلب من الملا عمر لأسباب أمنیة لیستقر فی

ص: 40

قندهار معقل حرکة طالبان(1).

سنوات علی انتهاء حرب الخلیج؛ 2. هدف الولایات المتحدة فی تدمیر العراق و تقتیل شعبه؛ 3. الهدف الرئیسی للولایات المتحدة فی المنطقة و هو دعم إسرائیل و إضعاف دول المنطقة. و قد صنّف جمیع هذه النقاط تحت بند محاربة الله و رسوله و المسلمین. بعد نشر هذا البیان، أصدر أعضاء الجماعات الجهادیة الموجودة فی أفغانستان فتاوی تعتبر قتل الأمریکان و حلفائهم سواء أکانوا عسکریین أو مواطنین عادیین فرض عین علی کل مسلم تسنح له هذه الفرصة فی أیّ بلد. نُشر نص الفتوی المذکورة و التی وقّع علیها ائتلاف باسم «الجبهة الاسلامیة العالمیة للجهاد ضد الیهود و الصلیبیین» فی 23 شباط/ فبرایر 1998م فی جریدة القدس العربی الصادرة فی لندن. و قد حملت الفتوی توقیع العدید من الشخصیات مثل: أسامة بن لادن، أیمن الظواهری (زعیم جماعة الجهاد)، الرفاعی طه (زعیم الجماعة الإسلامیة) و زعماء المعارضة الباکستانیة (الشیخ میر حمزه، الأمین العام لجمعیة العلماء، فضل الرحمان، زعیم حرکة أنصار، و الشیخ عبد السلام محمد خان، زعیم حرکة جهاد بنغلادیش)(1).

ص: 42

و قد اعتبر الموقّعون علی هذا البیان الفتوی أنّ قتل الأمریکان و کذا حلفاءهم بما فی ذلک المواطنین العادیین و عناصر القوات المسلحة فرض عین، و أکّدوا علی أنّه یجب علی کل مسلم یعیش فی أی بلد و منطقة فی البلاد الإسلامیة الامتثال لهذا الفرض العینی من أجل تحریر المسجد الأقصی و المسجد الحرام من قبضة الکفار، و لکی تنسحب جیوشهم من البلاد الإسلامیة مشیّعین بالخزی و العار و الهزیمة(1).

هذا الائتلاف کان فی الحقیقة إعلاناً لتأسیس تنظیم القاعدة، و قد بدأ نشاطاته العلنیة و الرسمیة علی صعید واسع و عالمی بهدف محاربة الغرب و الدفاع عن الإسلام.

و کانت حصیلتها 300 قتیلاً، معظمهم من السکان المحلیین.

- تشرین الأول/ اکتوبر 2000م: الهجوم علی المدمرة الأمریکیة یو.اس.اس کول فی عدن بالیمن و الحصیلة 17 قتیلاً و 38 جریحاً من مشاة البحریة الأمریکیة.

- 11 أیلول/ سبتمبر 2001م: شنّ هجمات انتحاریة فی قلب الولایات المتحدة. فی هذه العملیات التی تعتبر ذروة نشاطات تنظیم القاعدة، تم استهداف البرجین التوأمین لمرکز التجارة العالمیة فی نیویورک و کان عدد الضحایا أکثر من 3000 شخصاً.

- نیسان/ أبریل 2002م: الهجوم علی کنیس یهودی فی جزیرة جربة بتونس و خلّف 21 قتیلاً.

- تشرین الأول/ اکتوبر 2002 م: الهجوم علی نادی لیلی فی مدینة بالی بأندونیسیا و کانت حصیلته 202 قتیلاً و 300 جریحاً.

- أیار 2003م: وقوع سلسلة تفجیرات استهدفت المصالح الأمریکیة فی مدینة الدار البیضاء بالمغرب و خلّفت أکثر من 30 قتیلاً.

- تشرین الثانی/ نوفمبر 2003م: هجوم علی کنیسین یهودیین فی أسطنبول فی ترکیا و کانت حصیلته 27 قتیلاً و 300 جریحاً.

- آذار/ مارس 2004م: هجمات استهدفت مترو الأنفاق فی

ص: 44

العاصمة الأسبانیة، و کانت حصیلتها 191 قتیلاً و 1500 جریحاً ... (1).

الاعلی المودودی، رسالة الایمان لصالح سریه، الفریضة الغائبة، الکتاب الشهیر لمحمد عبد السلام فرج، الجهاد و الاجتهاد لأبی قتادة الفلسطینی، ملة ابراهیم لأبی محمد المقدسی، فرسان تحت رایة النبی و الحصاد المر و کلاهما لأیمن الظواهری(1).

یعتقد کریستوفر هانزل أنّه بصورة عامة توجد ثلاث مجموعات من الأفکار کان لها دور فی تأسیس تنظیم القاعدة؛ المجموعة الأولی وصول فرع من المذهب الوهابی إلی القاعدة عبر أسامة بن لادن، و یطلق علی هؤلاء مصطلح السلفیون الوهابیون الثوریون (الوهابیة الجدیدة)؛ المجموعة الثانیة، آراء و أفکار أبی الأعلی المودودی التی تأثّر بها سید قطب من جهة، و تأثّر بها المجاهدون الأفغان و بعض أعضاء القاعدة بصورة مباشرة عبر المدارس الإسلامیة الباکستانیة من جهة ثانیة. فی الحقیقة، إنّ تأثیر فکرة الحکومة الإسلامیة للمودودی علی القاعدة هو تأثیر غیر مباشر حصل عبر سید قطب؛ المجموعة الثالثة أیضاً آراء و أفکار سید قطب التی وصلت إلی القاعدة عبر

ص: 46

أیمن الظواهری(1).

بید أنّ الشخص الذی ترک تأثیراً قبل و بعد کل شخص آخر علی تبلور أفکار و آراء الحرکات السلفیة – الجهادیة هو تقی الدین أحمد بن تیمیة، العالم الحنبلی المحدث الذی عاش فی القرنین السابع و الثامن الهجری(2). و قد عاصر المرحلة التی اکتسح فیها المغول الجزء الأعظم من البلاد الإسلامیة، حیث رأی بعض العلماء فی ذلک الوقت أنّه لا یجوز الجهاد ضدّهم بسبب اعتناق سلاطین المغول الإسلام، لکنّ ابن تیمیة خالفهم فی هذا الرأی، و أفتی بکفرهم. و کان یعتقد أنّ بعض شرائع المغول قد تغلغلت فی الشریعة الإسلامیة، و من هنا یکتسب الجهاد ضدّهم المشروعیة(3).

و یأتی سید قطب بعد ابن تیمیة فی حجم تأثیره علی السلفیة الجهادیة. و کان تأثیر آراء سید قطب واسعاً لدرجة أنّ أسامة بن لادن و أیمن الظواهری اعترفا مراراً و کراراً أنّهما قد ورثا

ص: 47

أفکاره و تخرجا من مدرسته الجهادیة. و النقطة الوحیدة التی تفصل بین أفکار سید قطب و أعمال القاعدة طبقاً لشهادة أصدقاء سید قطب و المقرّبین منه هی أنّه لم یدعُ أبداً إلی الجهاد بمعنی القتل و العنف، و إنّما کل ما قاله هو تجاوز الجاهلیة و الوصول إلی الحاکمیة من خلال إسقاط حکام البلاد الإسلامیة و إقامة حکومة القرآن مکانهم. لکنّ زعماء القاعدة هم من فتحوا باب الجهاد ضدّ الغرب بوضعهم العدو البعید فی صدر اهتماماتهم و أولویاتهم(1).

تتلخّص المبادئ و الأصول الفکریة لتنظیم القاعدة و معظم السلفیین الجهادیین فی المحاور الرئیسیة التالیة:

مستلهم من أفکار سید قطب. و قد اعتبر هذا المبدأ، طبقاً للآیة الکریمة )أَفَحُکْمَ الْجَاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ(، کل حکومة، عدا الحکومة الإلهیة، جاهلیة، و الجهاد سبیل العبور من الجاهلیة إلی التوحید فی الحاکمیة. و علی هذا الأساس، اتّخذ بعض هذه الجماعات لنفسه مصطلح التوحید و الجهاد(1).

التوحید السیاسی (الحاکمیة): بناءً علی هذا الرأی، یحتجّ سید قطب بالآیة 44 من سورة المائدة(2) و الآیات من نفس المضمون،(3) التی تفید بأنّ أیّ مجتمع لا یحکم بکتاب الله و الشریعة الإسلامیة فهو مجتمع کفر و جاهلیة(4). کما یحتجّ فی کتابه فی ظلال القرآن بالآیة 50 من سورة المائدة(5)، و المقصود بالجاهلیة فی هذه الآیة الشریفة حکم الإنسان للإنسان، فیصبح فریق، بموجب هذا

ص: 49

الحکم، عبداً لفریق آخر، فینکر ألوهیة الله، و ینسبها إلی الإنسان(1).

یشرح سید قطب فی کتاب معالم فی الطریق، رؤیة الإسلام إلی المجتمعات الإنسانیة علی النحو التالی:

الإسلام لا یعرف إلا نوعین اثنین من المجتمعات ... مجتمع إسلامی، و مجتمع جاهلی .. "المجتمع الإسلامی" هو المجتمع الذی یطبق فیه الإسلام ... عقیدة و عبادة، و شریعة و نظاما، و خلقا و سلوکا ... و "المجتمع الجاهلی" هو المجتمع الذی لا یطبق فیه الإسلام، و لا تحکمه عقیدته و تصوراته، و قیمه و موازینه، و نظامه و شرائعه، و خلقه و سلوکه ..

لیس المجتمع الإسلامی هو الذی یضم ناساً ممّن یسمون أنفسهم "مسلمین"، بینما شریعة الإسلام لیست هی قانون هذا المجتمع، و إن صلی و صام و حج البیت الحرام!(2).

یعتقد سید قطب أنّ جاهلیة القرن العشرین أبشع أنواع الجاهلیة التی عرفتها البشریة عبر تاریخها علی الأرض؛ ذلک أنّه فی هذا النوع من الجاهلیة، یُسمح للشعوب بأداء الصلاة و القیام بالطقوس الدینیة، و لکن یتم التنکر لحاکمیة الله و لا یسمح للشعوب أن تطالب بتطبیق الشرائع السماویة فی المجتمع(3). یعتقد

ص: 50

أبو محمد المقدسی، منظّر السلفیة الجهادیة الشهیر فی الأردن، أنّ التوحید فی الحاکمیة بمعنی حصر الحاکمیة و التشریع بالله وحده، هو جزء من التوحید الألوهی(1). عبد الله عزام، زعیم الأفغان العرب أیضاً کان یقول فی مفهوم الحاکمیة أنّ العمل بحکم الله و الرجوع إلی الکتاب و السنّة هو الإسلام. و علی هذا، فإنّ اتباع حکم غیر الله أو التحاکم إلی الطاغوت هو الخروج عن الإسلام، و کل من یرضی من أعماق قلبه بالقوانین و الأحکام التعاقدیة البشریة، فهو مشرک و خارج عن ملة الإسلام(2).

السلفیین الجهادیین و علی رأسهم القاعدة، یعتقدون أنّ طریق إقامة التوحید و الخلافة یمرّ عبر الجهاد. أساساً، أنّ المقصود بالقاعدة هو قاعدة الجهاد التی کان عبد الله عزام و سائر المنظّرین للسلفیة الجهادیة یعتبرونها خلال خطاباتهم و کتاباتهم القاعدة الذهبیة و المنسیة فی الإسلام(1). إنّ شحذ سیف الجهاد بحسب الفکر السلفی الجهادی هو لاستخدامه ضدّ عدوین و باتجاهین؛ الاتجاه الأول، حکام البلاد الإسلامیة، الذین هم، بحسب رأی السلفیة الجهادیة، مرتدون، و الاتجاه الثانی الکفار و المشرکون.

کان سید قطب الذی رفع شعار تحقیق الحاکمیة الإلهیة علی الأرض و محاربة الطواغیت، یعتقد أنّ السبیل لتحقیق هذا الهدف هو الجهاد و النضال المستمر. فقد کتب فی هذا المجال، إنّ الإسلام إمّا أن یکون أو لا یکون. فإذا کان فذلک إسلام النضال و الجهاد المتواصل و الشامل و من ثم الشهادة فی سبیل الله و فی سبیل الحق و العدالة و المساواة. و إذا لم یکن، فمن علائمه أنّ

ص: 52

الجمیع یواظبون علی الأدعیة و الأذکار و السبحة و السجادة، و ینتظرون لیل نهار أن تمطر السماء علیهم خیرات و برکات و حریة و عدالة. و کان یری أن وحده المجاهد هو المسلم الحقیقی(1).

ثم یلخّص سید قطب، نقلاً عن ابن القیم الجوزی، تلمیذ ابن تیمیة، المسیرة التاریخیة لتطور مفهوم الجهاد فی الإسلام، علی النحو التالی:

أول ما أوحی به تبارک و تعالی، أن یقرأ باسم ربه الذی خلق، و ذلک أولی نبوته، فأمره أن یقرأ فی نفسه "فأنذر" فنبأه بقوله "اقرأ" و أرسله ب-"یا أیّها المدّثّر" ثم أمره أن ینذر عشیرته الأقربین، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمین. فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ینذر بالدعوة بغیر قتال و لا جزیة، و یؤمر بالکف و الصبر و الصفح. ثم أذن له فی الهجرة و أذن له فی القتال. ثم أمره أن یقاتل من قاتله، و یکف عمّن اعتزله و لم یقاتله (الجهاد الدفاعی)، و بعد طیّ هذه المراحل و استقرّ الأمر للإسلام بشکل تام أمره بقتال المشرکین حتی یکون

ص: 53

الدین کله لله (الجهاد الابتدائی)(1).

و فی نفس السیاق، کتب عبد السلام فرج، زعیم جماعة الجهاد الإسلامی و مؤلف کتاب الفریضة الغائبة فی الدعوة و إحیاء فریضة الجهاد. یقول فی مقدمة کتابه المذکور حول فضیلة الجهاد فی سبیل إحیاء الدولة الإسلامیة ما یلی:

بعد إعلان التوحید، ما من عمل أجلّ و لا أفضل فی میزان أعمال الإنسان من السعی لإقامة الدین، و لا یتیسّر ذلک إلّا عبر الجهاد. و ذلک لقوله تبارک و تعالی فی القرآن الکریم: )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّی لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلّه((2).

یستند عبد السلام فرج، أحد منظّری السلفیة، إلی الآیة 5 من سورة التوبة و المعروفة بآیة «السیف»، فیشیر إلی أنّها تنسخ جمیع الآیات السابقة. طبعاً هذه المسألة هی موضع خلاف بین المفسرین، فبعضهم یؤیّد رأی عبد السلام فرج(3). یقول الله تبارک و تعالی فی هذه الآیة الشریفة: )فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ((4).

ص: 54

یؤکّد عبد السلام فرج علی وجوب الجهاد الابتدائی و محاربة أعداء الإسلام، لکنّه مع ذلک یعتبر الحکام المستبدین و اللادینیین للبلدان الإسلامیة هم العدو القریب و بالتالی یضعهم فی صدر أولویات الکفاح. و فی معرض دفاعه عن أفکار ابن تیمیة، یساوی فرج بین حکام البلاد الإسلامیة الیوم و بین حکام المغول فی عصر ابن تیمیة الذین أفتی بالجهاد ضدّهم، و یعتقد أنّه کما کانت شریعة یاسا المغولی مخالفة لشریعة الله، فإنّ القوانین الحالیة لبعض البلدان مثل مصر و المستوردة من الغرب مخالفة أیضاً لشریعة الإسلام. و علیه فإنّ حکم الجهاد لابن تیمیة یسری علی حکام البلدان الإسلامیة فی العصر الحاضر(1).

یشیر أیمن الظواهری الرجل الثانی فی القاعدة و زعیم هذا التنظیم بعد أسامة بن لادن فی کتابه جهاد الطواغیت سنّة لاتتبدل، إلی أنّ مقدمة التوحید هو الکفر بالطاغوت(2)، و الحاکم غیر الإلهی طاغوت، و یعتقد أنّ عبارة لا إله إلا الله تعنی إعلان الحرب علی جمیع الطواغیت. ثم بالاستناد إلی الحدیث النبوی

ص: 55

الشریف «أمرت أن أقاتل الناس حتی یقولوا لا إله إلا الله»، یعتقد أنّ رفع شعار لا إله إلا الله لا یتیسّر إلّا بالجهاد(1).

و یحاکی الظواهری فی استدلالاته ما ذهب إلیه عبد السلام فرج و أغلب السلفیین الجهادیین، فهو یضفی الشرعیة علی الکفاح المسلح ضدّ حکام البلدان الإسلامیة من خلال مقارنة هؤلاء الحکام بسلاطین المغول فی عصر ابن تیمیة، و یستعیر فتاوی هذا الأخیر ضدّ أولئک السلاطین، و یصف ابن تیمیة ب-«شیخ الإسلام المجاهد»، و یتمسّک بفتاواه الجهادیة. کما کتب الظواهری فی کتابه الحوار مع الطواغیت مقبرة الدعوة و الدعاة، فی تکفیر الحکام العرب قائلاً: «أما کونهم کفاراً مرتدین فلقوله تعالی )وَمَن لَّمْ یَحْکُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ(»؛(2) ثم یستند إلی آراء ابن القیم و سید قطب فیکفّر حکومات البلدان الإسلامیة و یستعرض أدلة هذا التکفیر کما یلی:

1. عدم وجود حکم یطبق الشریعة الإلهیة و المزج بین الأحکام الإلهیة وسائر القوانین الوضعیة.

ص: 56

2. استصغار الشریعة الإلهیة و اتّخاذها هزواً، عبر ترجیح سائر القوانین علی القوانین الشرعیة.

3. الدیمقراطیة هی نفسها دلیل علی الکفر؛ لأنّه طبقاً لمقولة أبی الأعلی المودودی، الدیمقراطیة تعنی حکم الشعب و إحلالهم محل الله.

4. تحلیل الحرام و تحریم الحلال الشرعی، فطبقاً لفتاوی جمیع العلماء، إنّ الجهاد ضدّ إسرائیل فی فلسطین المحتلة واجب، بید أنّ الحکومات الإسلامیة من خلال وضعها للقوانین و عدم محاربة إسرائیل تعمل بالضدّ من دین الله(1).

و فی ضوء الأدلة أعلاه، أکّد الظواهری علی وجوب الجهاد ضدّ الحکومات القائمة فی البلدان الإسلامیة.

یقول فی کتابه الجهاد و فضل الشهاده، بجواز قتل النساء و الأطفال المتترس بهم من الکفار، و یفتی أیضاً بقتل المسلمین المتترس بهم من الکفار. و یتابع قائلاً: إذا کان هدفنا المشرکین و کنا نعلم بوجود عدد من المسلمین بینهم، فی هذه الحالة أیضاً یجوز استهدافهم، و لا تجب هنا الدیة و الکفارة علی المجاهد

ص: 57

بسبب قتله المسلمین. و یستشهد هذا الحکم بفتوی لابن تیمیة(1).

و فی نفس الموضوع، کتب سید إمام (و اسمه الحرکی عبد القادر بن عبد العزیز)، عضو المجلس الرئیسی للقاعدة و المفتی الشرعی للتنظیم، فی کتابه العمدة فی إعداد العدة، الذی حظی بإقبال کبیر من السلفیین الجهادیین:

إذا تعذّر قتل الکفار إلّا بقتل النساء و الأطفال، فهل یجوز فی هذه الحالة قتل النساء و الأطفال أم لا؟

الجواب: یجوز قتل النساء و الأطفال فی هذه الحالة، حتی لو لم یقاوموا و لم یعینوا الکفار؛ و ذلک لأنّه لا یتسنّی قتل الکفار إلّا بهذه الطریقة(2).

یؤیّد أسامة بن لادن هذا الرأی، و یقول، الذین یریدون أن یقیموا الإسلام بدون جهاد، هؤلاء لم یفهموا سیرة النبی الأکرم صلی الله علیه و آله و سلم و سنّته. ثمّ یؤکّد علی أنّ الجهاد هو فرض عین علی کل مسلم، و من ترکه آثم و فاسق. و قد حرّض أسامة بن لادن علی التمرّد علی فتاوی العلماء الذین ترکوا الجهاد بقوله: «الدین لا یستقیم بالعلم، حتی و إن أصبح جمیع الناس علماء، بل إنّ

ص: 58

إقامة الدین لا تتحقّق إلّا عن طریق الجماعة و الطاعة و النصر و الجهاد»(1).

و یتحدّث ابن لادن عن الجهاد ضدّ حکام البلدان الإسلامیة أیضاً و یقول:

خلافنا مع الحکام لیس خلافاً فرعیاً یمکن حلّه، و إنّما خلافنا علی جوهر الإسلام أی الشهادة بالتوحید و النبوة، فهؤلاء الحکام ینقضون أصل الإسلام و أساسه بوضعهم قوانین غیر شرعیة و القبول بقوانین الأمم المتحدة و ارتباطهم بالکفار(2).

و یتابع کلامه فیقول:

من حقنا أن نتساءل ما الفرق بین کرزای أعجمی (رئیس جمهوریة أفغانستان الذی تعتبره القاعدة عمیلاً للأمریکان) و بین کرزای عربی؟ من الذی نصّب حکام البلدان العربیة و یقوم بدعمهم؟ إنّهم الصلیبیون الذین نصّبوا کرزای أفغانستان و کرزای باکستان و کرزای الکویت و کرزای البحرین و کرزای الریاض(3).

الجماعة، و لکن منذ سقوط الخلافة الإسلامیة و حتی الیوم ما انفکّ السلفیون و الإسلامیون السنّة یسعون إلی تحقیق الجماعة.

یؤکّد سید قطب فی کتابه معالم فی الطریق، علی ضرورة وجود تشکیلات للجماعة الإسلامیة، معتبراً أنّ تجسّد هذا المفهوم علی أرض الواقع بمثابة مقدمة لتأسیس الحکومة الإسلامیة(1). و الجماعة من وجهة نظر هؤلاء عبارة عن تشکیلات منظمة تسیر علی هدی الشریعة الإلهیة، و تحقیق الموالاة بین المؤمنین و التعاون علی البرّ و التقوی. من هنا، اختارت معظم الحرکات السلفیة الجهادیة مصطلح الجماعة لها(2).

و یعتقد سید قطب فی معالم فی الطریق، أنّ إحیاء الحکومة الإسلامیة یحتاج إلی بروز جماعة طلیعیة، تأخذ علی عاتقها محاربة الجاهلیة المعاصرة، و تهیّئ الظروف و الأسباب اللازمة لتأسیس الحکومة الإسلامیة. و یری أنّ الحرکة هی تمهید لظهور الجماعة الطلیعیة. و طبقاً لهذه المقاربة، ازداد عدد الحرکات و الجماعات الجهادیة السلفیة بعد سید قطب(3).

ص: 60

أبو قتادة، زعیم آخر من زعماء السلفیة الجهادیة، هو الآخر یقول بضرورة تحقق الجماعة الإسلامیة المنسجمة، و یعتقد أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی الحدیث الذی یستعرض فیه مواصفات الفرقة الناجیة یشیر إلی هذه الجماعة، لذا، فإنّ أیّة جماعة من المسلمین تمتلک مواصفات الطائفة المنصورة و الفرقة الناجیة، تکون طاعتها واجبة(1).

و جدیر بالذکر أنّ عبد السلام فرج، مؤسس تنظیم الجهاد فی مصر، کان أول من ابتدع مصطلحی «العدو القریب» و «العدو البعید» مستوحیاً ذلک من الآیة الکریمة )یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِینَ یَلُونَکُم مِّنَ الْکُفَّارِ وَلِیَجِدُواْ فِیکُمْ غِلْظَةً((1)، و أکّد علی أولویة الجهاد ضدّ العدو القریب(2).

فی عقدی السبعینات و الثمانینات من القرن الماضی، کانت الأکثریة الساحقة من السلفیة الجهادیة بمن فیهم المنظّرین المستقبلیین للقاعدة یعتقدون بأولویة جهاد العدو القریب، أعنی حکام البلاد الإسلامیة(3). و مستندهم فی ذلک هو الآیة القرآنیة التی تدعو المسلمین إلی الجهاد ضدّ العدو. و هذه الآیة الکریمة هی: )یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِینَ یَلُونَکُم مِّنَ الْکُفَّارِ وَلِیَجِدُواْ فِیکُمْ غِلْظَةً(،(4) و لذلک وضع السلفیون الجهادیون علی رأس أولویاتهم النضالیة محاربة الأنظمة القائمة فی البلاد الإسلامیة.

لقد أمضی أیمن الظواهری و رفاقه المصریین سنوات طویلة

ص: 62

یناضلون ضدّ الحکومة المصریة. ففی عام 1995م نشر مقاله له فی صحیفة المجاهدین، التابعة لتنظم الجهاد المصری، عنوانها:

«طریق القدس یمر عبر القاهرة» زعم الظواهری فی مقالته أنّ القدس لن تتحرّر إلّا بعد انتصار الإسلامیین فی مصر و الجزائر(1).

فی 20 أیار 1996م، وجّه الظواهری انتقاداً إلی تنظیم الجماعة الإسلامیة فی مصر یقول فیه أنّ خطأه الکبیر تفریقه بین العدو الداخلی و العدو الخارجی، فقد فرّق بین بریطانیا و الملک فاروق، و بین الولایات المتحدة و بین جمال عبد الناصر و بین الاتحاد السوفیتی و جمال عبد الناصر. و یضیف الظواهری بأنّ الأولویة هی لمحاربة العدو القریب، لأنّ الله تبارک و تعالی یقول فی کتابه الکریم: )یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِینَ یَلُونَکُم مِّنَ الْکُفَّارِ((2).

و عندما أعلن حامد ابو النصر (1986) مرشد الإخوان المسلمین، بجواز الجهاد ضدّ العدو الخارجی فقط، ردّ علیه أیمن الظواهری بالقول: «لا فرق بین أن یکون العدو الکافر مواطن لنا أو أجنبیاً غریباً عنّا؛ ذلک أنّ العلّة التی توجّب

ص: 63

بسببها جهاده هی کفره لا أنّه شخص أجنبی أو مواطن. ناهیک عن أنّ الشخص الکافر قد أصبح بکفره غریباً عن المسلمین من أبناء وطنه، بدلیل ما ورد فی الآیة القرآنیة الکریمة: )قَالَ یَا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ((1) و أنّ الذین یفرّقون بین الکافر الأجنبی و الوطنی إنّما مثلهم مثل الذی یفرّق بین المشروبات الکحولیة الأجنبیة و الوطنیة. و یتابع الظواهری کلامه فیقول: إنّ الوجوب العینی للجهاد ضدّ هؤلاء الحکّام یعنی أنّ الشخص الذی ینصرف عن أداء هذه الفریضة مع علمه بوجوبها إنّما یرتکب معصیة کبیرة(2).

أما سید إمام (الدکتور فضل)، فیری أرجحیة محاربة الأنظمة و حکام البلدان الإسلامیة علی محاربة الکفار الأجانب لثلاثة عوامل هی کالتالی:

1. هذا الجهاد هو جهاد دفاعی و له الأولویة و الأرجحیة علی الجهاد الابتدائی؛ ذلک أنّ هؤلاء الحکّام هم أعداء کفرة تسلّطوا علی رقاب الشعوب و البلاد الإسلامیة؛

ص: 64

2. هؤلاء الحکّام مرتدون، و أنّ محاربة المرتد أولی من محاربة الکافر الأصلی؛

3. الحکام المرتدون للبلدان الإسلامیة أقرب إلی المسلمین و خطرهم أعظم(1).

بید أنّه و منذ أوائل عقد التسعینات بدأ الجهاد ضد العدو البعید یحل محلّ الجهاد ضد العدو القریب، نتیجةً لوقوع تحوّلین رئیسیین فی تاریخ کفاح الجهادیة السلفیة هما: 1. بدء الحرب التی شنّتها الولایات المتحدة ضدّ الجماعات الجهادیة، و طردها من أفغانستان و اعتقال زعمائها فی مختلف نقاط العالم؛(2) 2. اشتعال حرب الخلیج و دخول القوات الأمریکیة إلی بلاد الحرمین الشریفین، و هو ما اعتبره أسامة بن لادن احتلال بقعة مقدسة أخری من مقدسات المسلمین بعد المسجد الأقصی؛(3) 3. دعم الولایات المتحدة لحکام البلدان العربیة فی مواجهة

ص: 65

الإسلامیین و السلفیین الجهادیین(1).

2. أنّهم یعتقدون بتحریف القرآن. فمعظم علمائهم و فقهائهم یؤمنون بالتحریف عدا أربعة منهم و هم ابن بابویه القمی، و الشریف المرتضی، و أبو جعفر الطوسی و أبو علی الطبرسی، و علی قول أحد علمائهم و هو نعمة الله الجزائری، أنّ عدم قول هؤلاء الأربعة بتحریف القرآن هو لجهة سدّ باب الطعن علی الشیعة فقط.

3. الزعم بعصمة الأئمة الإثنی عشر، و أنّهم بلغوا مرتبة لم یبلغها نبی مرسل و لا ملک مقرّب.

4. الزعم بغیبة الإمام الإثنی عشر و رجعته، و عقائد من هذا القبیل.

هذه العقائد إذا قال بها أحد بعد إقامة الحجة علیه، یکون مرتداً. أمّا إذا قال بها جاهل أو أحد العوام طبقاً لأحادیث اعتقد أنّها صحیحة، فإنّه معذور.

ثم تحدّث أیمن الظواهری بعد ذلک عن مواقف إیران بعد الثورة الإسلامیة:

بعد أن ثار قادة الثورة الإیرانیة علی الشاه بسبب انحرافه عن الإسلام، زعموا أنّ ثورتهم إسلامیة و لیست شیعیة، و أنّهم سوف یقفون إلی جانب کل الشعوب المسلمة التی تتعرّض للاضطهاد دون تمییز بین شیعة و سنة. لکنّ الحقائق أظهرت یوماً بعد آخر أنّ هذا الکلام مجرّد ادّعاء لا أکثر، و أنّ زعماء إیران یتّخذون المواقف بما یخدم مصالح الشیعة فقط، و لکن عدا ذلک، فإنّهم یتجاهلون الأمر حتی عندما تکون المعرکة بین الإسلام و الکفر. و من الأمثلة علی ذلک:

ص: 67

1. موقفهم من الثورة السوریة و وقوفهم إلی جانب حافظ الأسد متذرّعین أنّ الإخوان المسلمین عملاء أمریکا.

2. فی میادین الجهاد فی أفغانستان کانوا یقدّمون الدعم و المساندة للفصائل الشیعیة فقط.

3. عندما طُرد المجاهدون العرب من باکستان اتّخذوا [الإیرانیون] موقف التجاهل و اللامبالاة تجاه القضیة و لم یتدخّلوا أبداً، و لم یرحّبوا بأیّ مجاهد عربی علی أراضیهم.

4. بالنسبة للجهاد فی مصر و الجزائر، لم تقدّم إیران أیّة مساعدة، و ترکت المجاهدین یخوضون حرباً دمویة لوحدهم ضدّ الطواغیت فی بلدانهم.

إنّهم یساعدون کل حرکة تدور فی فلکهم، و باختصار، إنّ موقفنا من إیران هو أنّنا لسنا تبع لها.

و واصل الظواهری تصریحه فوجّه کلامه إلی الحرکات الجهادیة التی تدور فی فلک إیران و قال، هذا النهج لا یخدم مصالحکم، فإزاء المساعدات القلیلة التی تقدّمها إیران لکم، سوف توصمون بالعمالة لها، و ستشوّهون سمعتکم عند أهل السنّة(1).

إنّ موقفنا من حرکة حماس واضح و معروف، إنّنا نوجّه النصح للأخوة فی حماس أن یتجنّبوا الدخول فی مجالس الشرک و الانصیاع للقرارات الدولیة و العربیة؛ و أن لا یضعوا أیدیهم فی أیدی العملاء الخونة المرتدین فی حکومة فلسطین؛ و أن یکفّوا عن إبداء مشاعر الاحترام و الحب لزعماء الأنظمة المرتدّة، و أن لا یتوانوا عن تطبیق الأحکام و الشریعة الإلهیة(1).

ذکرها ابن لادن التعامل الربوی فی البنوک السعودیة، حیث یخاطب ابن باز قائلاً: علی الرغم من وجود فساد عظیم فی البنوک السعودیة، لا نسمع منکم سوی القول بأنّ الربا حرام.

الکلام بهذه الطریقة هو فی الواقع خداع للناس؛ ثمّة فرق کبیر بین الذی یتعامل بالربا و بین الذی یقنّن الربا. الذی یتعامل بالربا یرتکب إحدی الکبائر فحسب، فی حین أنّ الذی یشرّع للربا و یحلّله مرتد و کافر؛ لأنّه جعل لله شریکاً فی وضع القوانین و الشرائع. کما یشیر ابن لادن إلی ما قام به ملک السعودیة حین علّق الصلیب فی رقبته، و یخاطب ابن باز قائلاً، لا همّ لک سوی تبریر أفعال الملک و تأویلها.

ثم یتابع أسامة بن لادن رسالته فیستعرض حالات مختلفة یعتقد أنّها تشکّل خروجاً علی الإسلام فی العربیة السعودیة، و بالنتیجة أفعال الحکام، و یتّهم علماء الوهابیة و علی رأسهم المفتی الأعلی فی السعودیة بخداع الناس و مسایرة الحکام(1).

کما اتّهم أیمن الظواهری، الزعیم الحالی لتنظیم القاعدة، أیضاً

ص: 70

فی رسائله و بیاناته العدیدة(1) علماء الوهابیة و حتی علماء الأزهر بالتواطؤ مع الحکام العرب المرتدین.

اعتقد بعض المختصّین أنّ نجاح الانتفاضات السلمیة الشعبیة فی مصر و تونس و لیبیا و وصول أحزاب إسلامیة إلی سدّة الحکم بمثابة هزیمة لأیدیولوجیة القاعدة و رفاق العقیدة من الجهادیین. و فی هذا المجال، أعلن صفوت عبد الغنی أحد زعماء السلفیة فی مصر، و الذی لطالما دعا إلی الجهاد و النضال ضدّ الحکومة غیر الدینیة المستبدة فی مصر، انتهاء عصر القاعدة و سطوتها فی العالم العربی و کتب یقول:

«لم تُقمع القاعدة عن طریق الحرب علی الإرهاب، و إنّما، الانتفاضات الشعبیة فی البلدان الإسلامیة هی التی عجّلت بتلاشیها، و ألغت ضرورة وجود هذا التنظیم، ولم یعد أیّ سبب لبقائه»(1).

و لکن بعد أن عصفت أمواج الصحوة الإسلامیة بدول المنطقة، استغلّت القاعدة و باقی الجماعات السلفیة الجهادیة التی فقدت مکانتها و شعبیتها فی أوساط الشعوب المسلمة، هذه الفرصة لصالحها، فبعد إسقاط الأنظمة الدیکتاتوریة فی المنطقة، حدثت المواجهة بین الإسلامیین و اللیبرالیین المتغرّبین فی البلدان

ص: 72

الإسلامیة بما قد ینهی المواجهة لصالح القاعدة وأخواتها، لاسیّما مع صعود الأحزاب الإسلامیة فی مصر و تونس و لیبیا، حیث أفضت المعارضة التی أبداها اللیبرالیین إلی جرّ هذه البلدان إلی مزید من الفوضی و الاضطراب.

عوامل عدیدة مهّدت لنزوع الشباب المسلم نحو الفکر الجهادی بشکل متزاید، من بینها غیاب الاستقرار و النظم، و المواجهات بین الإسلامیین و اللیبرالیین، و العزلة التی فرضت علی الإسلامیین و منع نشاط الأحزاب الإسلامیة فی البلدان الإسلامیة، و هو بالضبط ما کانت تحلم به القاعدة و داعش و سائر الجماعات السلفیة الجهادیة. و کان استیعاب الشباب المسلم لفکرة عجز النهج الحزبی غیر الجهادی، کتنظیم الإخوان المسلمین مثلاً، عن إقامة حکومة إسلامیة، بمثابة انتصار کبیر للسلفیة الجهادیة؛ فمنذ سنوات عدیدة آمن کبار منظّری السلفیة الجهادیة بأنّ الجهاد هو الطریق الوحید لإقامة الخلافة الإسلامیة.

نیال فرغوسن أستاذ مادة التاریخ فی جامعة هارفارد الأمریکیة کان یعتقد أنّ استمرار الربیع العربی علی هذا المنوال، ستکون

ص: 73

نتائجه لمصلحة القاعدة(1).

و یشار إلی أنّ الأزمة السوریة و الصراعات المحتدمة هناک جعلت من هذا البلد منطقة لتقویة نفوذ الجماعات السلفیة الجهادیة و استقطاب المقاتلین. و لم تکن القاعدة مستثناة من هذا الاستقطاب، فمن خلال حضورها الفعال فی سوریة و مصر و لیبیا و الیمن، راحت تستجمع قواها و نفوذها من جدید. و لذلک، کان زعماء القاعدة من السلفیین الجهادیین الذین استبشروا بتحولات الصحوة الإسلامیة، علی عکس الآخرین الذین اعتبروا هذا الربیع ثورة لرفع الجوع و تحرک لا طائل من ورائه، و لذلک أکّدوا علی ضرورة مواصلة طریق الجهاد.

فی الحقیقة، لقد استفاد تنظیم القاعدة فی الوقت الراهن من الأوضاع المأزومة فی بلدان المنطقة أقصی حدود الاستفادة. و لکن من حیث أنّ هذا التنظیم یعمل علی شکل فروع مستقلة فی مختلف البلدان، لهذا السبب ینبغی أن نتناول کل فرع من هذه الفروع بشکل منفصل.

ص: 74

العسکریة هناک، و کانوا یُجنّدون للقیام بالعملیات المسلحة. أما أول زعیم رسمی للقاعدة فی الیمن فهو أبو علی الحارثی الذی قُتل بهجوم نفذته طائرة أمریکیة بلا طیار فی عام 2002م. و جاء الرد الانتقامی للقاعدة فی الیمن باستهداف ناقلة النفط الفرنسیة لامبرغ.

فی کانون الأول/ دیسمبر 2009م، اندمج فرع القاعدة فی جزیرة العرب مع فرع القاعدة فی الیمن، تحت اسم «تنظیم القاعدة فی جزیرة العرب» و تمت مبایعة أبی بصیر (ناصر الوحیشی)، الذی یحمل الجنسیة الیمنیة، کزعیم للقاعدة فی جزیرة العرب. کما اختیر سعید الشهری (ابو سفیان الازدی)، السعودی الجنسیة، کنائب للوحیشی، لکنّه قُتل فی عام 2011م طبقاً لما أعلنته وکالة الأمن الیمنی(1).

إذن، بعد هجرة العناصر الأصلیة فی التنظیم السعودی إلی الیمن، انتقل المقر الرئیسی للقاعدة فی شبه الجزیرة إلی الیمن، و بدأ من هناک بتنفیذ العدید من العملیات.

ص: 76

ارتبطت قوة القاعدة فی الیمن علی الدوام بعاملین اثنین هما:

1. الدعم المالی الواصل من الخارج؛ 2. الدعم و التنسیق فی الداخل من قبل زعماء القبائل الیمنیة، الذین یئسوا من تلقّی أیّ دعم أو مساعدة من الحکومة المرکزیة(1). یعتقد البعض أنّ الحکومة الیمنیة أرادت من خلال التعاون مع تنظیم القاعدة تحقیق بعض المصالح الخاصة، فقد استطاعت من خلال التهویل لمسألة حضور القاعدة فی الیمن، أن تستقطب الدعم المالی و السیاسی الغربی(2).

الجزیرة العربیة، أحادیث من قبیل «اخرجو الیهود من جزیرة العرب»؛ أو بعض الأحادیث الواردة فی صحیح مسلم فی باب الجهاد و السیر، باب اجلاء الیهود و بحسب العبارات التالیة: «لأخرجن الیهود و النصاری من جزیرة العرب حتی لا أدع إلّا مسلماً». و استناداً إلی هذه الأحادیث، وضع زعماء القاعدة فی شبه جزیرة العرب علی رأس أهدافهم إخراج الیهود و النصاری من شبه الجزیرة العربیة(1).

الهدف الآخر و الخاص للقاعدة فی شبه جزیرة العرب تأسیس جیش فی الیمن کما أخبر عن ذلک النبی الأکرم صلی الله علیه و آله و سلم. و الأحادیث التی استندت إلیها القاعدة لتحقیق هذا الهدف عبارة عن أحادیث نبویة تنص علی: «یخرج من عدن (فی بعض الروایات من عدن ابین) اثنا عش-ر ألفاً ینصرون الله و رسوله، هم خیر من بینی و بینهم». روی هذا الحدیث کل من أحمد بن حنبل و أبو یعلی و الطبرانی، و کان ابن الجوزی قد ضعّف هذه الروایة. بید أنّ مقبل بن هادی الوادعی، أحد علماء السلفیة فی الیمن و الذی کان له دور واسع فی الترویج للأفکار السلفیة فی هذا البلد، قال فی

ص: 78

المخرج من الفتنة، بصحة هذا الحدیث. من هذا المنطلق، یسعی أعضاء القاعدة فی إطار تطبیق هذا الحدیث إلی تجنید الشباب الیمنی فی منطقة عدن من أجل تشکیل هذا الجیش(1).

فی عام 2011م تأسس فرع جدید فی الیمن تحت اسم أنصار الشریعة بقیادة جلال محسن بلیدی المرقوشی، المکنّی بأبی حمزة، و یعتقد إنّ هذه الخطوة کانت لمجرد استحداث اسم جدید لتستطیع جذب عناصر جدیدة و ذلک فی ضوء تحولات الصحوة. لقد استطاعت القاعدة استغلال هذه الفرصة و السیطرة علی أجزاء واسعة من الیمن و تأسیس إمارة إسلامیة خاضعة لنفوذها فی جنوب الیمن بالقرب من خلیج عدن أی فی منطقة جغرافیة استراتیجیة، و علی مقربة من مضیق باب المندب، لتقوم بإمرار حوالی 4 ملایین برمیل نفط یومیاً عبر هذا المضیق. و فی الجانب الآخر من خلیج عدن، توجد حرکة الشباب الصومالیة أی فرع القاعدة فی الصومال(2).

یسعی تنظیم القاعدة إلی توسیع رقعة نفوذه فی الیمن بوتیرة

ص: 79

متسارعة، فقد تحول الیمن إلی مکان مناسب و آمن لتدریب قوات القاعدة و انتقالها إلی سائر البلدان(1). و علی صعید آخر، فإنّ التدخلات الأمریکیة فی الیمن و قتل شعبه بطائرات بدون طیار الأمریکیة أصبح عاملاً مساعداً فی التحاق الشباب السنّی فی هذا البلد بتنظیم القاعدة(2).

بمناسبة الذکری الثالثة لتأسیسها، استعرضت القاعدة فی شبه جزیرة العرب، و المسماة حالیاً بأنصار الشریعة فی عام 2012م، انتصاراتها فی السنوات الثلاث الأخیرة و علی النحو التالی:

1. المشارکة فی ثلاثة حروب متزامنة و ناجحة؛ حربها لقوات الکفر (نظام علی عبد الله صالح)، الدفاع عن نفسها إزاء الهجمات المباشرة الصلیبیة الأمریکیة و الحرب ضدّ رافضة الشمال (الحوثیون فی الیمن).

2. فضح مخططات أولئک الذین یسمّون بالحوثیین الزیدیین بوصفهم عملاء لإیران، حیث نفّذ أخوتنا فی تنظیم القاعدة فی شبه جزیرة العرب هجمات شدیدة و قاصمة ضدّ هذه الجماعة.

ص: 80

3. خلع علی عبد الله صالح من الحکم؛ أصبح واضحاً للجمیع أنّ إسقاط علی عبد الله صالح لا علاقة له بالمسیرات الشعبیة و هواجس الغرب من تقتیل الشعب علی ید نظام صالح، لأنّه حین علم الغرب بعجز علی عبد الله صالح عن السیطرة علی الأوضاع فی البلاد و أنّ البلاد قد تسقط فی قبضة تنظیم القاعدة، عمل علی إزاحته عن السلطة.

4. تحمیل اقتصاد الصلیبیین (الغرب) خسائر جسیمة.

5. استیلاء مجاهدی القاعدة فی شبه جزیرة العرب علی مساحة واسعة من أرض جنوب الیمن، و تطبیق أحکام الشریعة و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر فی المناطق الخاضعة لسیطرة التنظیم(1).

کان بینهم عناصر من بلدان شمال أفریقیا مثل لیبیا و الجزائر، شکّل نقطة تحول فی تأسیس فروع القاعدة فی بلدان شمال أفریقیا.

لقد أعلنت الجماعة الإسلامیة اللیبیة المقاتلة بقیادة عبد الحکیم بلحاج عن نفسها رسمیاً فی عام 1995م، و ذلک عبر القیام بعدّة عملیات ضدّ نظام القذافی. کان معظم عناصر القاعدة اللیبیة یتواجدون فی مدینة بنغازی، التی تحوّلت فی عام 2011م إلی بؤرة لثورة الشعب اللیبی ضدّ القذافی، و قد شنّت علیها قوات القذافی و طائراته عدداً من الهجمات. و علی أثر ذلک فرّ عدد من زعماء القاعدة إلی الخارج و استقروا فی مدینتی لندن و مانشستر فی المملکة المتحدة(1).

بدأت الأحزاب و الحرکات الجهادیة المتطرفة فی الجزائر نشاطاتها ضدّ الحکومة منذ أواسط عام 1982م بقیادة سید بو یعلی الذی قُتل فی عام 1985م. فی عقد التسعینات ظهرت عدّة جماعات جهادیة مثل الجیش الإسلامی للإنقاذ(2) و کتیبة الشهادة

ص: 82

فی الجزائر و بدأت نضالها ضدّ الحکومة. و من أهم العوامل التی ساهمت فی ارتفاع وتیرة النضال لدی الجماعات الجهادیة فی الجزائر، الجهاد فی افغانستان و هجرة الجهادیین الجزائریین إلی هذا البلد، و بعد عودتهم اکتسبت معنویاتهم زخماً أکبر للجهاد ضدّ الحکومة الجزائریة.

فی عام 1988م، تأسّست جماعة تحت اسم «الجماعة السلفیة للدعوة و القتال»، بزعامة عبد المجید دیشو، الذی کان یسعی إلی توحید صفوف الجهادیین الجزائریین. بعد انضمام هذه الجماعة إلی تنظیم القاعدة، تحوّلت إلی فرع لهذا التنظیم فی الجزائر، و فی عام 2007م تغیّر اسمها إلی «تنظیم القاعدة فی بلاد المغرب الاسلامی».

قامت الجماعة بتنفیذ العدید من عملیات احتجاز الرهائن و القتل فی بلدان المغرب الإسلامی، بالإضافة إلی تجنید المتطوعین و إرسالهم إلی العراق و أفغانستان(1).

لقد ترکت تحولات الصحوة الإسلامیة فی المغرب العربی تأثیرات واسعة و عمیقة، و انتهز تنظیم القاعدة هذه الفرصة

ص: 83

فسخّرها لتحقیق مصالحه. إذ تمکّن عناصر هذا التنظیم من توسیع نفوذهم عبر توظیف أجواء عدم الاستقرار و الفوضی التی سادت هذه المنطقة.

لکنّ السلفیین فی الجزائر لم یکونوا علی وفاق بشأن کیفیة التعاطی مع تحولات الصحوة الإسلامیة. فقد أصدر عبد الملک الرمضانی أحد زعماء السلفیة القاطنین فی السعودیة و الذی یحظی بنفوذ کبیر فی الجزائر، فتوی حرّم بموجبها الثورة علی الحکومة، و أعلن أنّه ما دام حاکم البلاد مسلماً فطاعته علیکم واجبة. من ناحیة ثانیة، کان الشیخ عبد الفتاح الزراوی، أحد علماء العاصمة الجزائریة یدعو الشعب إلی التظاهر ضدّ الحکومة، و طبعاً قامت الشرطة و جهاز المخابرات فی هذا البلد بقمع تلک المظاهرات.

و بطبیعة الحال، فإنّ زعماء القاعدة فی ذلک الوقت کانوا یسعون إلی التغییر و الثورة فی الجزائر. کما تبیّن ذلک من البیان الذی أصدره الظواهری فی تشرین الأول/ أکتوبر فی عام 2011م و الذی هنّأ فیه الشعب اللیبی بمناسبة انتصار ثورته علی القذافی، و

ص: 84

حثّ فیه الشعب الجزائری علی الثورة ضد حکومته(1).

لقد وجدت عناصر تنظیم القاعدة الفرصة سانحة فی لیبیا، فقامت بالسطو علی مخازن السلاح التابعة للجیش اللیبی، و التی کانت تحتوی علی صواریخ و أسلحة متطورة، و من ثم توسیع نفوذ التنظیم فی سائر البلدان الأخری. و ورد فی تقریر الأمم المتحدة الصادر بهذا الخصوص فی کانون الثانی/ ینایر 2012م ما یلی: «استطاع تنظیم القاعدة فی المغرب الإسلامی إیجاد حواضن شعبیة له و ذلک من خلال تقدیم الخدمات و المساعدات الإنسانیة فی المناطق النائیة الخارجة عن سیطرة الحکومة، و من هذا الباب قام بتجنید المتطوعین و تنظیم شبکات لجمع المعلومات و الأسلحة»(2).

هناک لیواصل ما بدأه فی أفغانستان. فی 27 کانون الأول/ دیسمبر 2004م، أعلن أسامة بن لادن عبر بیان أذاعته شبکة الجزیرة تنصیب أبی مصعب الزرقاوی زعیماً لتنظیم القاعدة فرع العراق، و حذّر فی بیانه الشعب العراقی من المشارکة فی الانتخابات، و أکّد علی أنّ کل من یشارک فی الانتخابات کافر(1).

بعد وصوله إلی العراق بدأ الزرقاوی مشاوراته مع سائر الجماعات الجهادیة السلفیة و السنیة فی داخل العراق و خارجه، و قام بتجنید المتطوعین و استجلاب السلاح فی 2004م، و أطلق اسم «القاعدة فی بلاد الرافدین» علی تنظیمه. فی البدایة نفّذ عدّة عملیات ضدّ القوات الأمریکیة فی العراق، و لکن لم یطل به المقام حتی غیّر وجهته فصوّب بندقیته نحو شیعة العراق و جعلهم الهدف الرئیسی لهجماته الإرهابیة(2). کان للزرقاوی دور مؤثّر فی تشکیل مجلس شوری المجاهدین؛ الذی ضمّ خمس أو ست جماعات جهادیة. فی البدایة ترأس هذا المجلس عبد الله راشد البغدادی و بعد ذلک انتقلت الزعامة إلی أبی عمر البغدادی.

ص: 86

لقد خلق أداء الزرقاوی و تعصّبه الطائفی مشاکل لتنظیم القاعدة، بحیث نشب خلاف بینه و بین التنظیم، و قد أعرب معظم عناصر القاعدة الذین سافروا من أفغانستان إلی العراق عن معارضتهم لطریقته فی إدارة فرع التنظیم. کما أنّ ابن لادن نفسه انتقد أسلوبه و عمد إلی تخفیض رتبته کعقوبة له(1).

و أخیراً، هلک الزرقاوی فی حزیران 2006م، فخلّف وراءه فراغاً فی قیادة القاعدة فی العراق نادراً ما استطاع مجلس شوری المجاهدین أن یملأه بدلاً من تنظیم القاعدة فی بلاد الرافدین. فی شهر تشرین الأول̸ أکتوبر تغیّر اسم التنظیم إلی «الدولة الإسلامیة فی العراق»، و بدأ رسمیاً بإقامة حکومة إسلامیة علی طریقته فی العراق(2). ثم مرّ التنظیم بتحوّلات عدیدة بعد مقتل أبی عمر البغدادی فی عام 2010م، و مجیء أبی بکر البغدادی، فاستغلّ الظروف و التطورات الحاصلة فی سوریة لإعلان دولته الموسومة «الدولة الإسلامیة فی العراق و الشام»، ثم اختار اسم «دولة الخلافة الإسلامیة»، حیث ضمّ جمیع البلدان الإسلامیة و

ص: 87

بعض الدول الأوروبیة إلی حدوده، و أعلن أبا بکر البغدادی خلیفة له مانحاً إیّاه لقب أمیر المؤمنین.

القاعدة إلی باکستان، بقی عدد من مقاتلی القاعدة فی أفغانستان لمواصلة نشاطاتهم إلی جانب طالبان(1).

ص: 89

4، ص 109 - 128.

13. عبد الرحیم، جمال (بلا تاریخ). ایمن الظواهری، القاهره: مدبولی الصغیر.

14. عبد الله خانی، علی (2009م). کتاب امنیت بین الملل، طهران: مؤسسة أبرار معاصر للثقافة و الدراسات الدولیة، ط. 1.

15. عطوان، عبد الباری (2012م). القاعدة؛ التنظیم السری، بیروت: دار الساقی، الطبعة الثالثة.

16. ------------- (2013م). ما بعد بن لادن؛ القاعدة الجیل التالی، بیروت: دار الساقی، الطبعة الاولی.

17. علی، عبد الرحیم (2005 م). حلف الارهاب تنظیم القاعدة من عبد الله عزّام إلی أیمن الظواهری، القاهره: مرکز المحروسة، الطبعة الثانیة.

18. -------------- (2007م). تنظیم القاعده عشرون عاماً ... و الغزو مستمر، القاهره: المحروسه، الطبعة الاولی.

19. فراتی، عبد الوهاب؛ بخشی شیخ احمد، مهدی (2012م). «اسلام سیاسی و القاعده»، فی: فصلیة مطالعات سیاسی جهان اسلام، العدد 2، ص 1- 34.

20. کپل، جیل (2003م). پیامبر و فرعون، ترجمه: حمید احمدی، طهران: کیهان، ط. 3.

21. نخبة من الکتّاب (2004م). السلفیة؛ النشأة، المرتکزات، الهویة، بیروت: معهد المعارف الحکمیة.

22. نخبة من الکتّاب (2012م). الفتنة الغائبة؛ جماعة الجهاد فی مصر، الإمارات العربیة المتحده: المسبار، الطبعة الاولی.

23. نخبة من الکتّاب (2012م). القاعده بعد ابن لادن، الإمارات العربیة المتحدة: المسبار، الطبعة الاولی.

ص: 91

24. نخبة من الکتّاب (2013م). الحرکات الاسلامیة فی الوطن العربی، اشراف: عبد الغنی عماد، بیروت: مرکز الدراسات الوحدة العربیة.

25. المحمدی، مؤمن (2009م). بن لادن... بعبع أمریکا، القاهره: کنوز، الطبعة الثانیة.

26. المولی، سعود (2012م). الجماعات الاسلامیة و العنف، دبی: المسبار، الطبعة الاولی.

27. نجفی جویباری، خورشید؛ شمسینی غیاثوند، حسن (2012 م). «واکاوای نوبنیادگرایی اسلامی و جهانی شدن هویت»، فی: فصلیة مطالعات سیاسی جهان اسلام، العدد 3، ص 77 - 100.

28. الهلوش، عبد الرحمن مظهر (2011م). الشیخ و الطبیب؛ اسامه بن لادن و ایمن الظواهری، لبنان: ریاض الریس، الطبعة الاولی.

29. http://ar.wikipedia.org

30. http://www.aljazeera.net

ص: 92